في زخم دعاوى الأحوال الشخصية المتداولة أمام القضاء لإنهاء العلاقة الزوجية رغم وجود أطفال، يلح على العقول والقلوب تساؤل مهم: لماذا يسعى أحد الطرفين أو كلاهما إلى الانفصال، بالقدر ذاته من الإصرار والعزيمة التي كانا عليها حين أرادا الزواج، لماذا يضعان الأطفال في ذيل قائمة أولوياتهما حين يتخذان هذا القرار القاسي؟
يبكينا دائماً في الأعمال الدرامية، مشهد طفلة تتشبث بثوب أمها حين تتركها لأبيها، أو طفل يحتضن والده حين يقرر الأخير المغادرة بعد إثبات الحضانة للأم، لكن يظل الواقع أقسى كثيراً بالنظر إلى ما يمر علينا من قضايا، إذ نرى آباء يستخدمون الأبناء كأداة للتنكيل بالطرف الآخر، غير مبالين بمشاعر الصغار، والتأثير المدمر الذي تخلفه هذه السلوكيات في نفوسهم!
لقد حرصت الدولة على تعزيز رباط الزوجية بكل الطرق الممكنة، وضاعفت القيود أمام الطلاق أو الانفصال من خلال قوانين الأحوال الشخصية بتعديلاتها المهمة التي سنت أخيراً، بهدف الحفاظ على التماسك الأسري، وحماية الأطفال، لكن جل ما يمكن أن يوفره القانون حال إصرار الزوجين على الانفصال، هو ضمان حقوق الطفل في الحضانة والنفقة، وغيرهما من الأمور المادية التي لا يمكن أن تسد الفراغ العاطفي لديه، وتحصنه من الجنوح الذي ترتفع نسبته بين أبناء الأسر المفككة!
إن الطفل هو الحلقة الأضعف في الأسرة المضطربة، خصوصاً إذ آلت العلاقة الزوجية إلى نهاية مبكرة، فمعاناته لا تتوقف، بينما يواصل أبواه، غالباً، حياتهما بشكل طبيعي، سواء بمفردهما أو مع شريكين آخرين، ويتحول الطفل الذي كانا يتقاتلان عليه بالأمس القريب إلى عبء يلقيه كل منهما على الآخر، فيسقط في دوامة قاسية، مثل زورق شراعي صغير تتقاذفه أمواج عاتية، ويحمل في طيات نفسه الداخلية كثيراً من العقد التي لا تفارقه في الكبر!
ولإدراكه أهمية احتواء الطفل في بيئة صحية آمنة، كانت التفاتة المشرع الإماراتي بالغة الأهمية إلى المصلحة الفضلى له، وبموجب المادة الأولى من القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل «قانون وديمة» فإنه «جعل مصلحة الطفل فوق كل اعتبار وذات أولوية وأفضلية في جميع الظروف ومهما كانت مصالح الأطراف الأخرى». كما أكد أهمية «قيام الوالدين أو القائم على رعاية الطفل باتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على حياته وسلامته البدنية والنفسية والعقلية والأخلاقية من الخطر، وحماية حقوقه المختلفة».
إن قضايا الأحوال الشخصية بالغة التعقيد، إنسانياً وليس قانونياً، فالمحبة تتحول إلى خصومة بالغة، ولا يجد بعض الأزواج غضاضة في الإضرار بالأطفال لإيذاء الطرف الآخر، وكأن الأبناء لا يكفيهم مرارة الانفصال وتبعاته النفسية والسلوكية والاجتماعية والمادية، وهنا يبرز دور الدولة في حمايتهم بكل قوة، لكن تبقى كلمة السر لدى الوالدين، وهناك فرق كبير بين التضحية بالطفل والتضحية من أجله. *محكم ومستشار قانوني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news