التقدير الزائد للغير عنوان يُخفي في طياته كثيراً من الأشجان، والهواجس والتبعات، من واقع الحياة، والحالات والقضايا التي تنظرها المحاكم.
إنسان رائع، وكريم وناجح وثري تعرض للغدر من أقرب الناس إليه، على الرغم من أنه لم يبخل عليه بشيء، بل كان مستعداً لمنحه أضعاف ما استولى عليه بالتدليس والتزوير.
امرأة ضحت من أجل زوجها، اقترضت وتراكمت عليها الديون لتساعده في عمله، وحين تيسرت أموره، وعرف طريق الثراء، انقلب عليها وبحث عن أخرى تناسب وضعه الجديد.
صاحب عمل يتعامل كالأخ الأكبر مع مرؤوسيه والمحيطين به، فيعطي أكثر من المتفق عليه، ولا يفوت مناسبة دون تقديم العون والمساعدة، إذ يعتبرهم جزءاً من نجاحه حتى لو لم يكونوا كذلك في الواقع، لكنه مثل كثيرين يُقابل بالجحود تارة، والاستهتار في العمل تارة، فيسأل نفسه: هل يبالغ في تقديره لهم؟ وهل تجاوز الشعرة بين الطيبة والسذاجة في التعامل معهم؟
العلاقات الإنسانية – التي تظهر على حقيقتها المجردة في المحاكم – أساسها التقدير، فحين يتحول خلاف بسيط بين زوجين إلى عداوة وكراهية، ومعركة قضائية مستعرة في ساحات القضاء، يكون السبب سوء تقدير أحدهما أو كليهما للآخر من اللحظة الأولى لارتباطهما سوياً، فمعظم النار من مستصغر الشرر.
ناقشنا أخيراً قضية تبدو بسيطة لكنها أدق مثال على سوء التقدير، حين ارتاد أحدهم مقهى ووجه إشارات غير لائقة لنادلة، معتقداً أنها ستبتلع تحرشه، وتعتبره سخافة اعتادت عليها، لكنها لم تفعل ذلك وجرته إلى ساحات القضاء، بل أدين وسجلت له سابقة!
هناك طيبون كثيرون، لا يعتبرون عطاءهم تضحية، أو مساعداتهم للغير منّة، لكنهم – بكل أسف – يتعرضون عادة للأذى، ويلومون أنفسهم على ما يعتبرونه تقديراً زائداً للغير، ورغم ذلك لا يتوقفون عن العطاء لأنه سمت بداخلهم، وقيمة لا يدركون أنها نعمة ربانية.
هؤلاء ترضيهم كلمة شكر بسيطة، أو بادرة تعبر عن الامتنان، لكن لا يجدونها في غالبية الأحوال، لأن الطرف الآخر في حياتهم اعتاد الأخذ فقط، واستمرأ كرمهم وطيبتهم، ولم يعد يبالي حتى بالتعبير بمشاعرهم.
وعند هذه النقطة نعود إلى المحاكم، لأنها بالفعل مرآة لكل هذه الخصال، فمئات الخلافات الأسرية تحديداً بين الأزواج سببها غالباً استغلال طرف، ومبالغة في التقدير من الآخر.
وفتش عن التربية في المشكلات التي تقع بين الآباء والأبناء، فستجد أن التدليل الزائد سلاح يرتد في وجه الأبوين، ويتحول إلى سوء تقدير وإهمال حيالهما من قبل أبنائهما.
وكما توجد المشكلات في المحاكم، تتوافر بها الحلول أيضاً، فالدرس المستفاد من واقع قضايا عدة ومتباينة هو ضرورة التصرف باعتدال مع الآخرين حتى لو كان أقرب الناس إليك، فالعلاقات السوية تبنى على العدالة بين طرفيها، وليس هناك أقسى من الشعور بالنكران والجحود خصوصاً إن كان من الذين يستحقون أفضل من ذلك.
محكم ومستشار قانوني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news