الصورة النمطية للمتسول تغيرت إلى حد كبير، فلم يعد ذلك الشخص رث الهيئة أو مدعي الإعاقة والمرض، الذي يتواجد عادة بالقرب من أماكن العبادة أو مراكز التسوق والأماكن العامة، ليستميل الناس بعبارات عاطفية.
وعلى الرغم من المشكلات التي يسببها المتسول التقليدي، وتأثيره السلبي على المظهر الحضاري، فإن صورته الجديدة أكثر خطورة، فقد أصبح عصرياً بدوره، مثل كثير من النماذج التي تبدلت بحكم التطور التقني، يدير نشاطه رقمياً عبر شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، لصالح نفسه أو لجهات مجهولة لا يعرف المتبرع عنها شيئاً!
ومن المهم في هذا الجانب إدراك الأبعاد المختلفة لهذه الظاهرة قبل أن ينجرف أحدنا عاطفياً وإنسانياً ويتجاوب مع دعوة مجهولة من أشخاص لا يعرفهم يدعون المرض أو يطلقون حملة لجمع التبرعات لصالح أطفال في مجتمع ما، أو لدعم فئة بعينها، مسوقين دعواتهم بطريقة جذابة معتمدين على صور تثير التعاطف تركز عادة على الأطفال، ويضعون أرقام حسابات مصرفية لتحويل الأموال عليها.
لا شك في أن غاية المتبرع من المساعدة نبيلة، وتعكس قيمة إنسانية أصيلة، خصوصاً إذا قرر اتخاذ خطوة صعبة مثل تحويل الأموال، إذ إن منح النقود لمتسول يقف في الشارع أمر سهل وسلوك موروث، عكس المغامرة باستخدام بطاقة ائتمانية في تقديم المساعدة أو تحويل الأموال إلكترونياً إلى وجهة مجهولة لا يعرف المتبرع عنها شيئاً!
وفي ظل مواكبته الدائمة لكل ما يستجد من مظاهر وسلوكيات انتبه المشرع الإماراتي إلى هذه الممارسات، وتناول التسول الإلكتروني تحت عنوان صريح في مادة كاملة رقم «51» من المرسوم بقانون اتحادي رقم «34» في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية التي تنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبالغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ارتكب جريمة التسول باستخدام وسائل تقنية المعلومات من خلال الاستجداء أو بأية صورة أو وسيلة.
والعقوبة ذاتها لكل من استخدم وسائل تقنية المعلومات في طلب المساعدة من الجهات الحكومية الاتحادية أو المحلية أو أحد مسؤوليها بطريقة مسيئة أو على خلاف الحقيقة.
كما نصت المادة «46» من القانون ذاته على أنه يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن مائتي ألف درهم ولا تزيد على 500 ألف درهم كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً لجمع التبرعات دون ترخيص.
يدرك القاصي والداني دور دولة الإمارات الإنساني في شتى بقاع الأرض، ودعمها المحتاجين دون تمييز، لذا خصصت قنوات رسمية لتلقي التبرعات حتى تضمن وصولها إلى الفئات الأكثر احتياجاً، وحتى تحمي المجتمع من مخاطر النسول بشتى صوره، وكما بادرت إلى تجريم شكله الإلكتروني، يتبقى علينا الانتباه جيداً إلى مخاطر الاستجابة لهذه الدعوات حتى لا نتورط – بحسن نية – في مساعدة أهل الشر.
محكم ومستشار قانوني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news