لم يأتِ تصدُّر دبي لقوائم الوجهات السياحية المفضلة عالمياً والمؤشرات الصادرة عن كبرى المواقع والمؤسسات العالمية الكبرى المتخصصة في مجال السفر والسياحة من فراغ، ولكنه نتاج رؤية صنعت وصفة النجاح بمزيج من العمل الجاد والتخطيط السليم والاستفادة الواعية من المقومات الطبيعية التي حبا الله تعالى بها هذه المدينة التي أصبحت محل اهتمام العالم بما قدمته من إنجازات، وما حققته من تطور كمركز رئيس للاقتصاد والسياحة والتجارة والتكنولوجيا وصناعة المستقبل.
فقبل أيام، صدر مؤشر أفضل 100 مدينة كوجهة سياحية عالمية 2023، الصادر عن مؤسسة «يورومونيتور إنترناشيونال» البريطانية المتخصصة في أبحاث السوق، وقد منح دبي الصدارة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمركز الثاني عالمياً، متقدمة على مدن عالمية كبرى لها باع طويل وتاريخ حافل في المجال السياحي. كذلك توّجت دبي بلقب أفضل وجهة عالمية في جوائز اختيار المسافرين 2023 من موقع «تريب أدفايزر» للعام الثاني على التوالي.. والقائمة تطول.
وتتعدد مقومات الجذب في دبي بين ما هو طبيعي وما هو من صُنع الإنسان، لتتكامل هذه العناصر في تأكيد مكانة هذه المدينة النابضة بالحياة وجاذبيتها للزوار سواء من مختلف أنحاء الدولة، أو من دول المنطقة، وكذلك من حول العالم، للاستمتاع بتجربة زيارة فريدة لكل زائر، ليغادرها حاملاً ذكريات لا تُنسى.
حتّا.. هي واحدة من أهم مناطق الجذب السياحي في إمارة دبي، وتتميز بطبيعتها الجبلية الآسرة التي تجتذب الزوار من محبي الطبيعة والمغامرة من حول العالم، لما تتميز به من جمع بين روعة البيئة الفطرية الطبيعية وأصالة التراث بما تضمه من شواهد تاريخية ضاربة في القِدَم، إذ يرجع بعض المؤرخين تاريخ هذا الجزء من الوطن إلى أكثر من 3000 عام مضت.
وتتنوّع مقومات الجذب في حتّا التي عُرفت قديماً باسم «الحجرين» لوقوعها بين جبلين شاهقين، واشتهرت بالقلاع التاريخية والمزارع والأفلاج، لتتنوّع مع تلك المقومات أيضاً نوعية الزوّار الذين يقصدونها من كل مكان ما بين هواة الرياضة وعُشاق المغامرات والباحثين عن الراحة والاسترخاء في أحضان الطبيعة بعيداً عن صخب ومسؤوليات الحياة اليومية. وقد استهل الموسم الشتوي الثالث لحملة «#وجهات_دبي» الذي انطلق قبل أيام بتوجيهات سموّ الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، النائب الثاني لحاكم دبي رئيس مجلس دبي للإعلام، بتنظيم النسخة الأولى من مهرجان #شتانا_في_حتّا، بالتعاون بين براند دبي الذراع الإبداعية للمكتب الإعلامي لحكومة دبي، واللجنة العُليا للإشراف على تطوير منطقة حتّا، وهو يضم مجموعة من الفعاليات المتنوعة والتجارب الترفيهية والرياضية من 15 وحتى 31 ديسمبر الجاري، وذلك بهدف إلقاء مزيد من الضوء على ما تتمتع به هذه المنطقة من مميزات وعوامل جذب عديدة، حيث تهدف «وجهات دبي» إلى تقديم معلومات للمواطنين والمقيمين والزوّار تمكنهم من بدء عطلة شتوية فريدة في مختلف مناطق الإمارة.
مكانة متنامية
وأكد المدير العام لدائرة الاقتصاد والسياحة في دبي، هلال سعيد المرّي، أن تنامي مكانة حتّا وجهة رائدة للسياحة البيئية والثقافية وكذلك لسياحة المغامرات يعكس التزام دبي بتوفير تجارب فريدة لسكانها وكذلك لزوارها من مختلف أنحاء العالم.
وقال: «في ظل الاستراتيجية الواعية والتخطيط المحكم الذي يجري بتوجيهات ومتابعة القيادة الرشيدة في دبي، تعنى منطقة حتّا بمفاهيم وممارسات السياحة المستدامة، لاسيما مع تواصل جهود التطوير التي تشهدها هذه المنطقة الحيوية، كجزء من خطة دبي الحضرية 2040، لتترسخ مكانة حتّا بين أهم مناطق الجذب في دبي. فمنطقة حتّا هي شهادة على التزامنا بتنمية السياحة المستدامة والمسؤولة والمتنوعة».
معالم تاريخية
وتُعد «قرية حتّا التراثية» من أبرز الأماكن التاريخية في دبي ودولة الإمارات على وجه العموم، إذ تستعرض نموذج الحياة القروية قديماً، لتقدم للزائر صورة تحاكي الواقع المعاش قديماً من خلال ما تضمه من مجسمات ووثائق ومنحوتات وأعمال يدوية. وقد تم افتتاح القرية في عام 2001 لتعيد إحياء تراث دبي من خلال الأكواخ والمباني التقليدية التي عهدتها المدينة في الماضي.
ومن المعالم التاريخية المهمة، «حصن حتّا» الذي تم تشييده في عام 1896 ويُعدّ من أهم المعالم الأثرية في دولة الإمارات، ويشمل فناءً داخلياً وبرجاً للمراقبة بارتفاع 11 متراً. واُستخدم في بناء الحصن مواد طبيعية من الصخور الجبلية والطوب اللبن، بينما تم استخدام سعف وجذوع النخيل في السقف الذي يغطيه، وقد أُعيد ترميمه عام 1995.
وتضم حتّا العديد من المعالم التاريخية المهمة ومنها مسجد الشريعة، الواقع في منطقة الشريعة التراثية، وجرى تشييده منذ نحو 200 عام، فيما خضع لعمليات ترميم حديثة في إطار جهود تطوير القدرات السياحية لمنطقة حتّا. كذلك تُعد منطقة الشريعة من المناطق التراثية الرئيسة في هذه المنطقة إذ تضم فلجاً تاريخياً يسمى فلج الشريعة يُستخدم ماؤه في ري مزارع المنطقة.
مزارع وحدائق
المناطق الخضراء تُشكل أيضاً عوامل جذب مهمة في حتّا ومنها مزرعة أشجار النخيل التي تقع على بُعد مسافة قصيرة من القرية التراثية. ويطيب للزوّار التجول في هذه المزرعة والاستمتاع بما تمنحه للزائر من شعور بالهدوء والسكينة، كما يمكن للزائر الاستمتاع بمشاهدة الأفلاج (أنظمة ريّ استخدمت قديماً) وتفردها إذ تمتد لكيلومترات تحت الأرض قبل أن تظهر على السطح.
وتُعد زيارة «حديقة التل» من الأنشطة الموصى بها لزوّار حتا، لاسيما لهواة ارتياد المناطق الخضراء والأجواء المفتوحة، وقد تم تشييدها في عام 2004، وتشتهر بكونها مقصداً لمحبي النُّزهات والشواء في الهواء الطلق وتتميز بارتفاعها عن سطح الأرض كونها شيدت على تلة، وهو السبب في إطلاق هذا الاسم عليها.
السياحة الرياضية
تشكّل السياحة الرياضية جزءاً مهماً من المنظومة السياحية في منطقة حتّا، ومن الأمثلة على ذلك استقطب سباق «سبارتن حتّا»، وهو أحد أصعب سباقات التحمُّل في العالم، وشهد السباق في نوفمبر من العام الجاري، مشاركة أكثر من 3500 رياضي ورياضية من مختلف الجنسيات والأعمار والقدرات البدنيّة، من بينهم 900 متسابق من خارج الدولة، حيث جرى السباق بين جبال ووديان حتّا، بحضور كبير تجاوز 5000 من المتابعين للسباق الذي نظّمه مجلس دبي الرياضي، ضمن الفعاليات التي ينظمها المجلس في إطار استراتيجية شاملة لتعزيز مكانة هذه المنطقة وجهة نموذجية لسياحة المغامرات وبطولات التحدي، وضمن الخطة التنموية الشاملة للمنطقة لتعزيز جاذبيتها وجهة سياحية ورياضية نموذجية، في ضوء ما تمتلكه من مقومات طبيعية بما يخدم كذلك في ترسيخ مكانة دبي المدينة الأفضل للعيش والعمل والزيارة في العالم.
كذلك جاء السباق مواكباً لجهود تطوير البنية التحتية الرياضية في حتّا التي باتت تشهد تنظيم العديد من الفعاليات الرياضية المحلية والعالمية، لتصبح منطقة حتّا وجهة رياضية مميزة في الدولة والمنطقة.
التحدي والمغامرة
وتتنوّع الأنشطة التي يمكن لمحبي التشويق ورياضات المغامرة ممارستها في حتّا، وهو ما تتيحه الطبيعة الجبلية للمكان، بما يضمه من مرتفعات وأودية وبحيرات، ومن تلك الرياضات رياضة ركوب الخيل التي يمكن للزوّار من مختلف الأعمار الاستمتاع بها بين جبال المنطقة للتجول بين الجبال والوديان والتعرف إلى طبيعة المنطقة.
كذلك تشكّل مسارات المشي الجبلية التي تم إعدادها وتمهيدها لمحبي هذه الرياضة عنصر جذب للزوّار عشاق هذه الرياضة، وتمنح الزائر فرصة الاستمتاع عن قرب بالطبيعة الجبلية الرائعة التي تتميز بها حتّا، إذ تمتد تلك المسارات إلى أكثر من 32 كيلومتراً، لتكون بذلك الأطول من نوعها في دولة الإمارات، ما يمنح الزوار فرصة فريدة للاستمتاع بجمال جبال وسفوح هذه المنطقة عن قرب.
ويوفر «مضمار حتّا للدراجات الهوائية الجبلية»، بامتداد 52 كيلومتراً، لهواة هذه الرياضة تجربة مشوّقة في أحضان جبال حتّا. ويتضمن المضمار مسارات متنوعة تناسب جميع الأعمار والمستويات من المبتدئين والمتمرسين والمحترفين، كما يشمل أول منشأة من نوعها في دولة الإمارات لتدريب المبتدئين على ركوب الدراجات، كذلك يتيح استئجار أو شراء مجموعة من ملحقات الدراجات الهوائية الجبلية. ويُعد ركوب الدراجات الهوائية في حتّا من التجارب المحببة لعشاق المغامرة والباحثين عن أجواء التحدي في بيئة طبيعية ثرية بتنوّعها.
حديقة النحل
تُعد «حديقة النحل» من المزارات المهمة في منطقة حتّا التي اشتهرت بإنتاج أجود أنواع عسل النحل، وهي أول حديقة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط. وتضم الحديقة آلاف خلايا النحل الممتدة على مساحة الحديقة التي تناهز 16 ألف متر مربع، وتقع وسط الجبال والمزارع، وتشكّل زيارة الحديقة فرصة نموذجية للتعرف إلى أنواع وفصائل النحل والخلايا وأسلوب التربية والعناية بالنحل وأنواع الزهور والنباتات التي تتغذى عليها، علاوة على الوقوف على أفضل أنواع العسل وكيفية التعرف إلى الأنواع الأصلية منه، حيث تجمع زيارة الحديقة ما بين الترفيه والتثقيف في آن واحد.
رقم قياسي
تعتبر «لوحة حتّا»، بارتفاع 19.28 متراً على قمة جبل الحجر، أحد أهم المعالم في منطقة حتّا السياحية، وقد أعلنت دبي القابضة مطلع سبتمبر الماضي دخول اللوحة موسوعة «غينيس للأرقام القياسية العالمية» كأعلى لوحة معلم بارز في العالم. وتعكس اللوحة مكانة حتّا بين أهم المناطق الطبيعية في دولة الإمارات.
قرية حتّا التراثية تقدم للزائر صورة تحاكي الواقع المعاش قديماً.
المنطقة تضم شواهد ومزارات تراثية تؤرّخ للحياة في دبي منذ أكثر من 3000 عام.
«حديقة التل» من الأنشطة الموصى بها لهواة ارتياد المناطق الخضراء والأجواء المفتوحة.
هلال المرّي: تنامي مكانة حتّا وجهة سياحية رائدة يعكس التزام دبي بتوفير تجارب فريدة لسكانها وزوارها.