ظنت الزوجة في بداية الأمر أن زوجها مهووس بالتصوير، لذا يلاحقها بكاميرا هاتفه بشكل متكرر، لكن بمرور الوقت، بدأت تشعر بانزعاج بالغ، وضيق من تصرفاته، خصوصاً أنه لا يفرق بين الأوضاع اللائقة للتصوير، وتلك التي تخدش حياءها!
أدركت أخيراً أن الرجل الذي يفترض أن يكون أحرص الناس عليها، ليس أميناً على الإطلاق، وتجاوز الأمر من مجرد تصويرها بهاتفه، إلى مراقبتها بكاميرات في المنزل، فحرّكت دعوى قضائية، ودين من قبل المحكمة بتهمة الاعتداء على الخصوصية، وعوقب بالغرامة!
ربما تعد القضية السابقة حالة فردية، خصوصاً في مجتمعاتنا، لكنها مقدمة مناسبة للحديث عن الخصوصية، في ظل اندفاع كثيرين إلى نقل كل تفاصيل حياتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي!
جدل حاد مثار حالياً حول تطبيق «تيك توك»، واعتزام عدد من الحكومات الغربية حظر استخدامه بين موظفيها، بسبب مخاطر تهدد الأمن والخصوصية، الأمر الذي يجعلنا كأفراد نتوقف قليلاً لقراءة المشهد، فالأمر يمسنا بشكل مباشر، لأنه أحد التطبيقات الأكثر شعبية بين العرب وغيرهم، وهناك تنافس حاد على الظهور من خلاله، تحديداً بين فئة المراهقين الذين يفتقدون القدرة على التمييز بين ما هو لائق وآمن، وما يمثل انتهاكاً لخصوصياتهم، ويهدد أمنهم!
وأعرف شخصاً يعاني كثيراً مع ابنته المراهقة، بعد أن اكتشف أنها تظهر مع صديقاتها في مقاطع غير مناسبة، قيمياً وأسرياً، وعندما عاتبها، اعتبرته أباً متعنتاً وغير عصري!
لقد حصن المشرّع الإماراتي خصوصية المجتمع والأفراد بمواد قانونية محكمة في تشريع حداثي هو القانون رقم 34 لسنة 2021، الذي يجرّم الاعتداء على الخصوصية بأي صورة، سواء بالنشر أو حتى الاحتفاظ بصورة أو فيديو لشخص دون رضاه، مثل حالة الزوج الذي بدأنا بها المقال!
وبحسب المادة 44 من القانون، تصل العقوبة إلى الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة تصل إلى 500 ألف درهم، لمن يتورط في ارتكاب هذه الجريمة، لكن يجب الانتباه إلى أمر بالغ الأهمية، وهو أن جريمة الاعتداء على الخصوصية ترتبط بعدم رضا المجني عليه، فالدولة توفر الحماية التامة، حتى في حالة التورط بإرسال صور أو محتوى غير لائق لشخص ما، طالما لم يوافق صاحبه على نشره، لكننا نظل مسؤولين عما ننشره بإرادتنا الحرة!
المعضلة الحقيقية هي أن الخصوصية ذاتها أصبحت مسألة نسبية، فما كان مرفوضاً بالأمس القريب، صار مباحاً من قبل البعض، سعياً وراء الشهرة أو المال، وأصبحنا نرى حسابات لأزواج يعرضون تفاصيل حياتهم الشخصية على الملأ، بل يصل الأمر إلى درجة استغلال الأبناء لتحقيق مزيد من المشاهدات!
التحدي كبير، خصوصاً حين يتعلق بأبنائنا، فالجيل الحالي صعب المراس، ووسائل التأثير الخارجية قوية ومتعددة، وهناك عشرات البلاغات والدعاوى المرتبطة بمسألة الخصوصية، لذا يجب أن نكون يقظين وقريبين ومنضبطين، فما نربيهم عليه سيظهرونه للناس.
محكم ومستشار قانوني.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news