حذّر مختصون وخبراء أولياء أمور من مخاطر نشر الصور والبيانات الخاصة بأطفالهم على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتضمن يومياتهم وتفاصيل حياتية لهم، لاسيما أنها قد تحمل تبعات خطرة على أمنهم ومستقبلهم، مؤكدين إمكانية استغلال صور وفيديوهات في جرائم بحق الطفل، مثل الاحتيال وتزييف الأصوات والانتهاكات الجنسية والاختطاف.
وقالت مديرة إدارة سلامة الطفل في الشارقة، هنادي اليافعي، إنه «عند نشر صور الأطفال وبياناتهم الخاصة نكون قد وضعنا أمنهم بين أيدي أناس لا نعرفهم، وسمحنا بتعريضهم لكمٍّ هائل من المخاطر المحتملة»، مشيرة إلى أن «هناك كثير من الدراسات التي تحذر من استغلال صور الأطفال في أبشع الجرائم، وأولها الانتهاكات الجنسية، إذ تفيد بيانات الأمم المتحدة على سبيل المثال بأن نحو 80% من الأطفال في 25 دولة قد تعرضوا لمخاطر الاعتداء الجنسي والاستغلال عبر الإنترنت، لهذا يجب أن نتوقف عن استخدام أطفالنا في مظاهر استعراضية لا فائدة منها، بل أصبحت اليوم خطرة جداً».
وأضافت لـ«الإمارات اليوم»: «عندما ينشر الأهالي صور أطفالهم على الإنترنت، فإنهم بذلك يكسرون حاجز الخصوصية والحذر، ويوحون لأطفالهم بأنه لا بأس من إرسال الصور للغرباء، وعندما تنكسر هذه الحواجز يتعرض الأطفال للخطر بكل أنواعه».
وتابعت: «هناك الكثير من الجرائم التي تعرض لها الأطفال، تمت من خلال ابتزازهم بالصور المركبة، أو عبر تزييف الحقائق لخداعهم، كما أن بعض الجرائم التي تم تسجيلها في العالم تمت من خلال تخفّي المستغلين على هيئة أطفال، بعد تزوير الصوت وحتى الصورة، بهدف طمأنة الطفل بأنه يتحدث لشخص من عمره، أو عبر انتحال شخصية أحد الوالدين للتواصل مع الطفل».
ودعت اليافعي أولياء الأمور إلى غرس ثقافة الرفض، وقول كلمة «لا» لدى الطفل من دون خجل، إذا شعر بأنه عرضة للخطر.
وأكدت أن «القانون الإماراتي يغطي كل أشكال حماية الطفل من كل مظاهر الإهمال والاستغلال وسوء المعاملة، ومن أي عنف بدني أو نفسي، مضيفة: «نحن في الإمارات حققنا منجزات هائلة على صعيد الأمن المجتمعي بما يشمل الأطفال، وعلينا أن نعمل بشكل متواصل من أجل حماية وتطوير منجزاتنا».
مشاركة صور الأطفال
قال خبير الأمن السيبراني، عبدالنور سامي، إن سلوك مشاركة صور ومقاطع الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي لا يراعي خصوصية الطفل الرقمية، وحماية حقوقه الشخصية، ويهدد الطفل بمخاطر اجتماعية وإنسانية ونفسية ورقمية ناجمة عن ذلك.
وأضاف لـ«الإمارات اليوم»، أن من بين المخاطر انتحال الهوية الشخصية، حيث يستغل ضعاف النفوس صور الأطفال، ويستخدمونها في حملات معينة، باختلاق قصص عن الطفل وطلب تبرعات مثلاً، وقد يتم استخدام صور الطفل من قبل أحد الأشخاص المهووسين، ليقوم باستخدامها، ويدّعي أن الصور لأطفاله، وأنهم أبناء طليقته مثلاً، حيث يستخدم تلك الصور لتكون قطعة في أحجية حياته الوهمية المركبة، التي هي مدخل التواصل لديه مع الآخرين، وقد يتم استخدام بيانات الطفل في إنشاء حسابات وهمية، والسب من خلالها على أقل تقدير.
وتابع: «من ضمن المخاطر أيضاً التحرش الإلكتروني، ويصل الأمر إلى نشر صور الأطفال في الويب المظلم».
وأضاف، أن من مخاطر نشر صور الأبناء، التنمر الإلكتروني، حيث يتم استغلال بعض الصور الطريفة، خصوصاً في فترة التعلم المدرسي، للتنمر على الطفل في المدرسة، أو في حسابات التواصل الاجتماعي.
وأشار إلى أن من بين المخاطر سهولة الاختراق، حيث يشارك بعض الأهالي بيانات أطفالهم في أعياد ميلادهم، وتفاصيل حياتهم، وفريقهم المفضل، وألوانهم المفضلة، واسم حيوانهم اللطيف الصغير، ومطعمه المفضل، موضحاً أن هذه قد تكون إجابات للأسئلة السرية للبريد الإلكتروني عند إنشائه، أو الأسئلة السرية للتعريف الشخصي مع شركة الاتصالات أو الحساب البنكي.
وحذر من مخاطر التزييف العميق، قائلاً: «مع جمع الصور والصوت من المقاطع، ومع تطور التقنيات مستقبلاً، لا يُستبعد إمكانية تزييف أصوات أطفالك، وقيامهم بمراسلتكم يوماً ما من (واتس أب) فجأة، وهم في المدرسة مثلاً، أو في رحلة، وصادف أن هاتفهم مغلق مثلاً أو ليس لديهم هاتف، ويطلبون منكم دفع مبلغ مالي لشراء منتج».
وكشف أن نشر المعلومات الشخصية للطفل قد يعرضه للاختطاف أو السرقة، فعلى الرغم من نعمة الأمان في الدول العربية، إلا أنه في بعض الدول انتشرت ظاهرة اختطاف الأطفال، نظراً لأن اللصوص حفظوا كل تحركات الوالدين والأطفال، فأصبحوا يدركون الوقت الذي يكون فيه الأطفال وحدهم في المنزل.
تحديات ومخاطر
وأكد الباحث القانوني، الدكتور محسن الخباني، أن «المُشرّع الإماراتي تفهم خطورة نشر صور الأطفال ومعلوماتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، وأقر قوانين عدة وتدابير رامية لحماية خصوصية الأطفال في دولة الإمارات، فقد جاء القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 2016 بشأن قانون حقوق الطفل (وديمة)، الذي يعد من أهم القوانين الرامية لحماية حقوق الطفل، وتعزيز سلامته وخصوصيته، حيث أشارت المادة (5) من القانون ذاته إلى أنه «للطفل الحق في احترام خصوصيته وفقاً للنظام العام والآداب، مع مراعاة حقوق ومسؤوليات من يقوم على رعايته طبقاً للقانون».
وأشار إلى أن هذه القوانين لم تقيد حرية الآباء في تصوير ونشر صور أطفالهم، بل جاءت لتحيط الحق في الخصوصية بسياج من الحماية، منعاً للمخاطر التي يمكن أن تمس خصوصية هذه البيانات، فالتشريعات في دولة الإمارات قد قررت أحكام حماية هذا الحق في العديد من القوانين، منها المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 2022 بشأن الجرائم والعقوبات، والمرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، والمرسوم بقانون اتحادي رقم (45) لسنة 2021 في شأن حماية البيانات الشخصية.
وأكد الخباني أن هذه الجهود التشريعية لحماية الخصوصية وحرمة الحياة الخاصة أو العائلية، والتي قررت عقوبات رادعة لمن يستغل هذه الخصوصية استغلالاً بغير المصرح بها قانوناً، وإن كانت قوانين رادعة مهمة في هذا الجانب، إلا أنه يلزم أن يكون معها وعي من قبل الآباء في هذا الجانب.
ابتزاز إلكتروني
وقالت المحامية موزة مسعود، إن نشر الصور والمحتويات الخاصة بالأبناء على مواقع التواصل الاجتماعي تتضمن مخاطر كبيرة، منها تعرض الأطفال للابتزاز الإلكتروني، والتنمر عبر الإنترنت، وبالتالي تعرضهم لاضطرابات نفسية قد تؤثر في شخصياتهم بطريقة سلبية، فضلاً عن التعدي على خصوصية الطفل، والتسبب في تذمره وضيقه.
وأوضحت أن وزارة التربية والتعليم أطلقت مبادرة «وحدة حماية الطفل»، بهدف حماية الطفل من جميع أنواع الإساءة والإهمال والاستغلال التي يتعرض لها في البيئة المحيطة، سواء في المدرسة أو المنزل، والحفاظ على سلامة الطلبة بدنياً ونفسياً وتعليمياً، كما يمكن التبليغ عن حالة الإساءة الواقعة على الطفل عبر الاتصال بالرقم المخصص لوحدة حماية الطفل بوزارة التربية والتعليم 80085 أو الاتصال برقم مركز حماية الطفل بوزارة الداخلية 116111، أو التقدم بالبلاغ عبر البريد الإلكتروني ([email protected])، وإرفاق المستندات والوثائق الداعمة للبلاغ، إن وجدت.
وتابعت: «كما أنشأت وزارة الداخلية اللجنة العليا لحماية الطفل في عام 2009، ومركز وزارة الداخلية لحماية الطفل في عام 2011 ليتولى مهمة تطوير وتنفيذ وتقنين المبادرات والإجراءات التي تهدف إلى توفير السلامة والأمن والحماية لجميع الأطفال الذين يعيشون في دولة الإمارات، أو زوارها».
وذكرت موزة مسعودة أن القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل، المعروف باسم قانون «وديمة»، شدد على حق الطفل في الحياة والبقاء والنماء، وتوفير كل الفرص اللازمة لتسهيل ذلك، كما يعمل على حمايته من كل مظاهر الإهمال والاستغلال، وسوء المعاملة، ومن أي عنف بدني أو نفسي.
وتابعت: «يخضع لعقوبة الحبس أو الغرامة أو كلتيهما كل من تسبب في تعريض سلامة الطفل للخطر، أو اعتاد تركه دون رقابة أو متابعة، أو من لم يقم بتسجيل الطفل في المدارس، وتسجيله فور ولادته. وينطبق القانون على جميع الأطفال حتى سن 18 عاماً».
وشددت على أن من الضروري حث الوالدين على فرض رقابة على المحتوى الذي ينشره أولادهم، لحمايتهم من المخاطر، والاطلاع على محتوى الفيديو أو أي شيء قبل نشره، للتأكد من أنه ملائم، ولا يجذب إليه جهات قد تستغل الأطفال والمراهقين، فضلاً عن أهمية توفير توجيه دائم للأبناء بنوعية مقاطع الفيديوهات التي يمكنهم نشرها دون أن تتعرض خصوصيتهم لخطر الاختراق.
سيناريوهات للاحتيال الإلكتروني
تحدث خبير الأمن السيبراني، عبدالنور سامي، عن مخاطر «الاحتيال»، موضحاً أن «هناك سيناريوهات للاحتيال باستخدام أسمائهم وبياناتهم وصورهم، لكن هذا الأمر لا يقتصر فقط على الاحتيال، بل يشمل جرائم أخرى رقمية قد يتم ارتكابها وتلفيق التهمة للأطفال عند الكبر لاحقاً».
ودعا الأهالي لعيش حياة رقمية شخصية معزولة عن العالم، دون تعريض حياة الأطفال للخطر، فبعض المخاطر لا تأتي اليوم أو غداً، بل بعد سنين، نتيجة تراكمات وتبعات.
استغلال صور الأطفال
قال الباحث القانوني، الدكتور محسن الخباني، إن نشر الصور واليوميات الخاصة بالأطفال من قبل الآباء ينطوي على مخاطر تمس خصوصية الأطفال، منها إمكانية سرقة هويتهم من خلال المعلومات والصور المنشورة، واستخدامها في عمليات احتيال من قبل عصابات إجرامية، ويمكن أن تصل الخطورة أيضاً في استغلال هذه الصور والمعلومات لأغراض خبيثة، مثل الاستغلال والتحرش الجنسي، أو العنف والتهديد والابتزاز، كما يمكن أن يتعرض الأطفال للتنمر الإلكتروني، نتيجة نشر الصور واليوميات والمواقف الشخصية الخاصة بهم.