«ادفع ثمن حصة تحصل على الأخرى مجاناً.. ولفترة محدودة باقات دروس فليكس بنصف السعر عند الاشتراك لأكثر من 50 حصة».. عروض تسويقية وباقات ترويجية، تعكس التحوّل الذي آلت إليه العملية التعليمية، من نظام تربوي يستهدف تنمية المعارف وتطوير رأس المال البشري، إلى تجارة أو نظام اقتصادي يستهدف بيع سلعة «تعليمية» لتطوير «رأسمال بائعي أو مقدمي السلعة»، سواءً كانوا معلمين مؤهلين أو مزاولين غير شرعيين لمهنة التعليم.
ويشهد الطلب «الطوعي» على الدروس الخصوصية تزايداً تصاعدياً على مدار العام الدراسي، من قبل أولياء الأمور، باعتبارها سلعة أساسية مرغوبة لأبنائهم «ولو كرهوها»، ولاسيما في مواسم الامتحانات المدرسية، ومعها يعيش مروجو هذه الدروس حالة من النشاط والتنوّع الدعائي، من خلال نشر إعلانات يروجون فيها عن علمهم وخبراتهم وقدراتهم على توصيل المناهج المدرسية لعقول الطلبة وتدريبهم على تخطي الامتحانات بأبسط وأسرع الطرق وتحقيق أفضل النتائج.
«الإمارات اليوم» رصدت كماً كبيراً ومتنوّعاً من إعلانات تروّج للدروس الخصوصية على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، من أشخاص ومواقع داخل الدولة وخارجها، وأجرت اتصالات بعدد من القائمين عليها، طلبوا عدم الإفصاح عن أسمائهم، (بعضهم معلمون والآخر لا يمتهن التدريس) للتعرّف إلى مدى الإقبال عليهم، وطبيعة الخدمات المقدمة للطلبة ومناسبتها لمناهجهم المختلفة، وكذلك الأسعار ومواسم العروض الترويجية.
وقدّم موقع تعلمي (مؤسَّس من داخل الدولة)، أحد أغرب وأبرز العروض الترويجية للدروس الخصوصية، يحمل اسم «باقات فليكس»، عرّفته مديرة الموقع (ف.م) بأنه عبارة عن نظام يوفر أسعاراً مخفضة لأولياء الأمور والطلبة في كل المواد وجميع المناهج التعليمية، موضحة أن عروض «الفليكس» تشمل خصومات على أسعار الحصص، تراوح ما بين 52 و55%، وتبدأ الفليكسات من «20 حصة» بنحو 1200 درهم، مروراً بـ«50 حصة» بقيمة 2650 درهماً، وانتهاءً بـ«100 حصة» بإجمالي 4800 درهم.
وقالت (ف.م): «لدينا معلمون مختصون وذوو خبرات بما يناسب مختلف المناهج المدرسية المتنوعة بالدولة (حكومي، بريطاني، أميركي، وغير ذلك) في مختلف المواد والصفوف»، موضّحة أن الدروس تكون فردية لكل طالب، بنظام «أون لاين» على منصة «زووم»، ويتم تحديد احتياجات الطالب من الفليكسات وفقاً لقياس مستوى يجريه مختصون.
فيما أكد المهندس (م.ع) مؤسس جروب «مستر م.ع» (من خارج الدولة)، أنه يقدّم دروساً لطلبة المناهج المختلفة، خصوصاً البريطاني في مادة الرياضيات للصفوف من الأول وحتى العاشر، وزعم أن «الجروب بات منتشراً بشكل كبير بين أولياء الأمور داخل الدولة، نتيجة الجهود التي يبذلها مع الطلبة وتمكّنهم من رفع مستوياتهم بشكل لافت خلال السنوات الماضية»، ما ساعد على المزيد من الإقبال وطلب خدماته.
وقال: «على الرغم من كوني لست معلماً، إلّا أن شغفي بالرياضيات وخبراتي التي اكتسبتها من دراسة الهندسة المعمارية، بجانب حبي الكبير وموهبتي في التدريس، جميعها أمور دفعتني لتغيير مساري والعمل بالتدريس، وهو أمر حققت فيه نجاحاً لم أكن أصل إليه خلال عملي بالهندسة»، موضحاً أنه يعيش في دولة عربية (خارج الإمارات) لكن الكم الأكبر من المشتركين لديه طلبة من داخل الإمارات.
وأضاف: «اليوم مع التقدم التقني الذي ازدادت الاستعانة به خلال جائحة (كورونا)، بات الموقع الجغرافي ليس عائقاً للقيام بوظائف أو مهام في دول أخرى، وهو أمر عملت على الاستفادة منه من خلال المنصات التفاعلية، حيث أتعامل مع الطلبة وألتقي معهم فرادى أو بشكل جماعي خلال اجتماعات افتراضية على منصة زووم»، منوهاً بأنه يتيح لأولياء الأمور حرية تحديد آلية التعامل المادي معه، لكنه يفضل التعامل دائماً بنظام الحصة من (10 – 30 دولاراً) للشخص في المحاضرات الجماعية، بحسب الصف، وتصبح (15 – 40 دولاراً) وقت مراجعات ما بعد الامتحان.
وهي أسعار قريبة إلى حد كبير مع خطط أسعار «ص.ل»، صاحب صفحة للتعليم عن بُعد، مؤكداً أنه على الرغم من كونه يعمل في الأساس محاسباً لدى إحدى شركات القطاع الخاص، إلّا أنه يجد متعة كبيرة في تعليم الطلبة الأطفال للرياضيات.
وقال: «في البداية كنت أمارس التدريس مع أبناء أصدقائي، إلى أن ذاع صيتي وقررت التوسّع وتأسيس صفحة لتنظيم التعليم عن بُعد، خصوصاً في الرياضيات واللغة العربية، حيث استعنت بأحد أصدقائي المتميزين في اللغة العربية، وبدأنا في التفاعل مع الطلبة وتعليمهم بطرق أبسط كثيراً من المقدمة في المدارس، وهو ما لاقى قبولاً بين أولياء الأمور».
من جانبها، أكدت أستاذة الإعلام والصناعات الإبداعية بجامعة الإمارات، الدكتورة بدرية الجنيبي، أن إعلانات الترويج للدروس الخصوصية يجب أن تدخل ضمن المحتوى المحظور على منصات التواصل الاجتماعي، كونها تتعارض مع المصلحة العامة، ولا تتماشى مع سياسة إدارة النفاذ إلى الإنترنت التي تهدف إلى ضمان أمن الإنترنت وحماية المستخدمين من المواقع الضارة التي تحتوي على مواد تتعارض مع قيم وقوانين الدولة.
وقالت الجنيبي: «تعرّف دولة الإمارات المحتوى المحظور، بأنه أي محتوى غير مقبول، أو متعارض مع المصلحة العامة أو الآداب العامة أو النظام العام، أو الأمن الوطني، أو تعاليم الدين الإسلامي، أو محظور بموجب أي قوانين أو أنظمة أو متطلبات نافذة في الدولة، ووفقاً لهذا التعريف يتم حجب الوصول إلى المواقع والصفحات التي تحتوي على محتوى محظور من قبل مزودي خدمات الإنترنت في الدولة، وهو أمر يجب أن ينطبق على إعلانات الدروس الخصوصية، باعتبارها أنشطة غير قانونية، وكذلك تعتبر ترويجاً أو اتجاراً بخدمة ممنوعة قانوناً».
ودعت الجنيبي وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع مكتب تنظيم الإعلام، وإدارة وتنظيم الأنشطة الإعلامية في دولة الإمارات، إلى ضرورة تدشين خطاً ساخناً للإبلاغ عن مثل هذه الإعلانات، وتشجيع الأفراد على التفاعل معه.
المزيد من المواضيع التي تخص الملف:
– تربويون: تقنين الدروس الخصوصية يحد انتشارها ويمنــــع «المتطفلين»
– «دروس خصوصية» من خارج الدولة بتكاليف مخفضة
التصدي لمنصات الدروس الخصوصية
أكد رئيس قسم الإعلام بكلية الخوارزمي الدولية، الدكتور محمد رشاد، أن الإمارات من الدول القليلة على مستوى العالم التي تتمتع ببنية قانونية قوية لضبط فضاء المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، وخلق أدبيات ومواثيق للتفاعل ما بين مرتادي هذه المنصات، مشيراً إلى أنه على الرغم من صلابة هذه البنية التشريعية، إلّا أنها لاتزال تصطدم بإشكالية يعانيها العالم بأسره، تتمثل في صعوبة السيطرة الكاملة على الحسابات غير القانونية، وقدرة أصحابها على المراوغة أحياناً.
وقال رشاد: «هذا الأمر ينطبق إلى حد كبير على مواقع الدروس الخصوصية والمنصات المعلنة عنها، فعلى الرغم من أنها وفقاً لأحكام القانون تعد من المواقع التي يجب حظرها، لتقديمها أو ترويجها لسلعة أو منتج بشكل غير قانوني، إلّا أن التصدي لها من الجهات الرسمية فقط قد لا يكون كافياً، لأن هذه الحسابات لديها القدرة على الظهور مجدداً بعد إغلاقها، ولديها الأدوات الترويجية التي تساعد على انتشارها سريعاً، ومن ثم فيجب أن يكون الحل تكاملياً، من خلال تعزيز الدور الجماهيري في مواجهة هذه الظاهرة».
وأضاف: «التفاعل المجتمعي الإيجابي يبقى أفضل الحلول لمواجهة التحديات المجتمعية، ولذلك فإن التصدي لظاهرة انتشار الدروس الخصوصية وإعلاناتها على وسائل التواصل الاجتماعي، هو مسؤولية جماهيرية في المقام الأول».
200 ألف درهم عقوبة لمزاولة التدريس بـ «تصريح مهنة أخرى»
تتصدّى المادة 60 من المرسوم بقانون اتحادي رقم 33 لسنة 2021 في شأن تنظيم علاقات العمل، بإجراءات عقابية، للأفراد الذين يحصلون على تصاريح عمل في مهن، ثم يشتغلون بمهن أخرى مختلفة عن الصادر بها تصريح العمل، مثل المهندسين أو المحاسبين أو غيرهم، الذين يروجون لأنفسهم كمدرسين خصوصيين، حيث تنص هذه المادة على معاقبة أي شخص يستعمل تصاريح العمل في غير الغرض المخصص لإصدارها، بالغرامة التي لا تقل عن 50 ألف درهم ولا تزيد على 200 ألف درهم، ما يعني أن الرخصة تشكل شرطاً لمزاولة أي مهنة في الدولة ولا يمكن لغير المرخص لهم مزاولة هذه المهنة بأي شكل.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news